
السبب الحقيقي لخروج الامام الحسين من المدينة
كثر الكلام والأباطيل والجهل حول السبب الحقيقي لخروج الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة. فالبعض يقول إنه خرج محاربًا ليزيد، وهذا يتعارض مع اصطحابه للنساء والأطفال الرضع من أهل بيته؛ فمنذ متى يأخذ القائد نساءه وأطفاله إلى ساحة القتال؟ وغيرها من التوقعات التي لا تتوافق أبدًا مع التصريحات الصريحة التي صدرت عن الإمام الحسين (عليه السلام) بشأن سبب خروجه.
الإمام الحسين ورجل من أهل الكوفة
(1
في النص التالي يذكر الإمام الحسين (عليه السلام) السبب الحقيقي لخروجه من المدينة.
ثم سار حتى نزل الرهيمة ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة، يكنى أبا هرم، فقال: يا بن النبي، ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم، شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله ليقتلني، ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن عليهم من يذلهم.
الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٢١٨
ولم يُذكر هذا النص فقط في كتب التاريخ، فمن يتأمل مسار سفر الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة إلى العراق، ويقرأ محادثاته (عليه السلام) مع من صادفهم في طريقه، يجد أن الناس كانوا يسألونه نفس السؤال، وكان (عليه السلام) يكرّر نفس الإجابة.
ثم بات عليه السلم في الموضع المذكور-الثعلبية- فلما أصبح إذا برجل من الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الحسين: ويحك يا أبا هرة إن بنى أمية أخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمى فهربت وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم.
اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - الصفحة ٤٣
يزيد يأمر والي المدينة بقتل الصحابة
(2
وما يعزز النصوص السابقة هو ماذكر بالتواتر من كتب التاريخ كلها سواء الشيعة او المخالفين تذكر فيها بأن يزيد أمر بقتل الصحابة من أهل المدينة إن لم يبايعوا.
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبـد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد ابن عتبة; أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبـداً من عبيـد الله، أكرمه واستخلفه ومكّن له…
وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء، وقد علمت ـ يا وليد ـ أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم عثمان بن عفّان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان; لأنّهم أنصار الحقّ وطلاّب العدل…».
ثمّ كتب صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة:
«أمّا بعد، فخذ الحسـين وعبـد الله بن عمر وعبـد الرحمن بن أبي بكر وعبـد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه; والسلام»
اسم الکتاب : مقتل الحسين ع للخوارزمي - المؤلف : أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي الجزء : 1 صفحة : 262


ويذكر أيضًا ابن كثير، الناصبي الأموي وتلميذ ابن تيمية الأموي، تآمر بني أمية على قتل الإمام الحسين (عليه السلام).
قال هشام بن محمد الكلبي : عن أبي مِخْنف لوط بن يحيى الكوفي الأخباري: ولي يزيد في هلال رجب سنة ستين، وأميرُ المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وأميرُ الكوفة النعمان بن بشير، وأميرُ البصرة عبيد اللَّه بن زياد، وأميرُ مكة عمرو بن سعيد بن العاص.
ولم يكن ليزيد همَّة حين ولي إلَّا بيعة النفر الذين أَبَوْا على معاوية البيعة ليزيد، فكتب إلى نائب المدينة الوليد بن عتبة:
"بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من يزيدَ أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أما بعد، فإنَّ معاوية كان عبدًا من عباد اللَّه، أكرمه اللَّه واسثخلفه، وخوَّله ومكَّن له، فعاش بقدر، ومات بأجل، فرحمه اللَّه، فقد عاش محمودًا، ومات بَرًّا تقيًّا، والسلام".
وكتب إليه بصحيفة كأنها أُذن الفأرة: "أمَّا بعد، فخذ حسينًا، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزُّبَير بالبَيْعة أخذًا شديدًا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام".
فلما أتاه نَعْيُ معاوية فَظُعَ به وكبُرَ عليه،
فبعث إلى مروان، فقرأ عليه الكتاب واستشاره في أمر هؤلاء النفر، فقال: أرى أن تدعوَهم قبل أن يعلموا بموت معاوية إلى البيعة،
فإن أبَوْا ضربتَ أعناقهم.
ص213-ج8 - كتاب البداية والنهاية ط دار ابن كثير - إمارة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه
هذا يوضح لنا أن الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من المدينة المنورة مع نساء أهل بيته وأطفاله الرضع ليس لأجل القتال، وإنما بسبب التهديد بالقتل. فقد أرسل يزيد بن معاوية – اللقيط – إلى والي المدينة يأمره بأنه إن لم يبايع الإمام الحسين (عليه السلام)، فليقتله. ولم يكن الأمر موجهاً إلى الحسين فقط، بل شمل حتى الصحابة مثل عبد الله بن الزبير، الذي خرج من المدينة وذهب إلى مكة ليحتمي بالكعبة خوفاً من القتل لرفضه بيعة يزيد.
وعلى كل حال سواء بايع الامام (عليه السلام ) او لم يبايع فسوف يقتل كما قتل اخيه الامام الحسن (عليه السلام) على الرغم من الصلح.
لقد خرق بنو أمية العهد الذي عاهدوا به الإمام الحسن (عليه السلام)، والذي تضمن إعطاء الأمان لبني هاشم وشيعتهم، وألا يعهد معاوية بالخلافة لأحد من بنيه من بعده، إلى جانب شروط كثيرة أخرى تم خرقها.
فحتى لو بايع الإمام الحسين (عليه السلام) يزيد، متجاهلاً الشرط الذي شرطه أخوه الإمام الحسن (عليه السلام) بألا تكون الخلافة لبني أمية من بعد معاوية، فلن يمنحه يزيد الأمان، بل سيقتله، لأسباب منها الثأر لعثمان بن عفان، ومنها أنه لا يريد أن يكون هناك من هو أفضل منه أو أحق بالخلافة منه.
قال الإمام الحسين (عليه السلام):
والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قرم الأمة.
البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٨ - الصفحة ١٨٣ الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ٧٦