كرهوا أن تجمع لهم النبوة والخلافة: حوار بين ابن عباس وعمر بن الخطاب

كرهوا أن تجمع لهم النبوة والخلافة: حوار بين ابن عباس وعمر بن الخطاب

في تاريخ الطبري وابن الاثير دار حوار بين ابن عباس وعمر بن الخطاب جاء فيه:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فُلَانٌ أَشْعَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ فُلَانٌ أَشْعَرُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَاءَكُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا، مَنْ أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ؟ قَالَ: قُلْتُ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى. فَقَالَ: هَلُمَّ مِنْ شِعْرِهِ مَا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتَ. فَقُلْتُ: امْتَدَحَ قَوْمًا مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ:


لَوْ كَانَ يَقْعُدُ فَوْقَ الشَّمْسِ مِنْ كَرَمٍ ...

قَوْمٌ لِأَوَّلِهِمْ يَوْمًا إِذَا قَعَدُوا

قَوْمٌ أَبُوهُمْ سِنَانٌ حِينَ تَنْسُبُهُمْ

طَابُوا وَطَابَ مِنَ الْأَوْلَادِ مَا وَلَدُوا ...

جِنٌّ إِذَا فَزِعُوا إِنْسٌ إِذَا أَمِنُوا

مُمَرَّدُونَ بَهَالِيلُ إِذَا جَهِدُوا ...

مُحَسَّدُونَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ نِعَمٍ

لَا يَنْزِعُ اللَّهُ مِنْهُمْ مَا لَهُ حُسِدُوا

فَقَالَ عُمَرُ: أَحْسَنَ وَاللَّهِ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْلَى بِهَذَا الشِّعْرِ مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ; لِفَضْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتِهِمْ مِنْهُ. فَقُلْتُ: وُفِّقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تَزَلْ مُوَفَّقًا!

فَقَالَ-عمر-: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (" بمعنى اخر:هل تعرف لماذا لم يُعطِ قريش الخلافة لبني هاشم؟")

فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي!

فَقَالَ عُمَرُ: كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ، فَتَبَجَّحُوا عَلَى قَوْمِكُمْ بَجَحًا بَجَحًا، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ.

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تَكَلَّمْتُ.

قَالَ: تَكَلَّمْ.

قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لِأَنْفُسِهَا فَأَصَابْتَ وَوَفِّقْتَ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا اخْتَارَتْ لِأَنْفُسِهَا حِينَ اخْتَارَ اللَّهُ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَحْسُودٍ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلَافَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ٩] .

فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ وَاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنِي عَنْكَ أَشْيَاءُ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أُقِرَّكَ عَلَيْهَا فَتُزِيلَ مَنْزِلَتَكَ مِنِّي.

فَقُلْتُ: مَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّمَا صَرَفُوهَا عَنْكَ حَسَدًا وَبَغْيًا وَظُلْمًا.

فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ظُلْمًا، فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ وَالْحَلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَسَدًا، فَإِنَّ آدَمَ حُسِدَ وَنَحْنُ وَلَدُهُ الْمُحَسَّدُونَ.

فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! أَبَتْ وَاللَّهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا حَسَدًا لَا يَزُولُ.

فَقُلْتُ: مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ، فَإِنَّ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قُلُوبِ بَنِي هَاشِمٍ.

فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.

فَقُلْتُ: أَفْعَلُ. فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَقُومَ اسْتَحْيَا مِنِّي

فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَكَانَكَ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَرَاعٍ لِحَقِّكَ مُحِبٌّ لِمَا سَرَّكَ.

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ لِي عَلَيْكَ حَقًّا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ حَفِظَهُ فَحَظَّهُ أَصَابَ، وَمَنْ أَضَاعَهُ فَحَظَّهُ أَخْطَأَ. ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.

ص438 -ج2- كتاب الكامل في التاريخ ت تدمري
ص223 -ج4- كتاب تاريخ الطبري