هجوم الدار على عثمان بن عفان وضرب زوجتيه الإثنيتن
نرى النواصب ينكرون حادثة هجوم الدار على بيت أهل النبي أشدَّ الإنكار، ولا يخفى أن سبب هذا الموقف –كما يظهر من سياق نقاشاتهم– هو ارتباط الحادثة بأبو بكر وعمر، اللذين قادوا الجيش للهجوم على الدار. ولو كان المتولّي لهذه المهمة شخصاً آخر لا يقدسونه، لأقرّوا بصحة الحادثة كإقرارهم بحادثة هجوم دار عثمان. فكل ما قيل في هجوم دار السيدة من كسر الضلع والضرب وغيرها من الأحداث التي ينكرونها، نراهم يقرّون بها عند ذكر حصار دار عثمان، إذ يقبلون بالروايات التي تذكر كسر أضلاعه لكثرة الضرب، والاعتداء على زوجتين له لا واحدة. ومع ذلك كله، يروون أن النبي أخبر عثمان بما سيجري في داره، وأمره بالصبر وعدم القتال. والأعجب أنهم يعدّون صبر عثمان على ضرب زوجاته فضيلة ومنقبة، حتى نجد علماءهم – كابن تيمية – يثنون عليه لصبره على ضرب زوجاته، كما سيأتي بيانه.
مدح ابن تيمية لعثمان لعدم دفاعه عن زوجتيه
ابن تيمية يقرّ برواية ضرب زوجات عثمان على مرأى ومسمع منه، ويقرّ أيضاً بأن عثمان كان بإمكانه أن يدفع هذا الاعتداء عن زوجتيه، إذ جاءت إليه مجموعة من الناس لينصروه، لكنه ردّهم وأمرهم بعدم قتال المعتدين. وهذا ردّ على كل من يدّعي أن عثمان كان كبيراً في السن أو عاجزاً عن دفع الضرر عن نفسه وأهله.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ مِنْ أَكَفِّ النَّاسِ عَنِ الدِّمَاءِ، وَأَصْبَرِ النَّاسِ عَلَى مَنْ نَالَ (١) مِنْ عِرْضِهِ، وَعَلَى مَنْ سَعَى فِي دَمِهِ فَحَاصَرُوهُ وَسَعَوْا فِي قَتْلِهِ، وَقَدْ عَرَفَ إِرَادَتَهُمْ لِقَتْلِهِ، وَقَدْ جَاءَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يَنْصُرُونَهُ وَيُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِقِتَالِهِمْ، وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْكَفِّ عَنِ الْقِتَالِ، وَيَأْمُرُ مَنْ يُطِيعُهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُمْ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِمَمَالِيكِهِ: مَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ حُرٌّ. وَقِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إِلَى مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَكُونُ مِمَّنْ أَلْحَدَ فِي الْحَرَمِ. فَقِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إِلَى الشَّامِ؟ فَقَالَ: لَا أُفَارِقُ دَارَ هِجْرَتِي. فَقِيلَ لَهُ: فَقَاتِلْهُمْ. فَقَالَ: لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ مُحَمَّدًا فِي أُمَّتِهِ بِالسَّيْفِ.
فَكَانَ صَبْرُ عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّمَاءَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي سُفِكَتْ بِاجْتِهَادِ عَلِيٍّ [وَمَنْ قَاتَلَهُ] (٣) لَمْ يُسْفَكْ قَبْلَهَا مِثْلُهَا مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ مِمَّا لَا يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي عَلِيٍّ، بَلْ [كَانَ] (٤) دَفْعُ الظَّالِمِينَ لِعَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّوَاصِبِ
ص286 - كتاب منهاج السنة النبوية - الرد على زعم الرافضي أن عثمان ضيع حدود الله - المكتبة الشاملة
رسول الله يوصي عثمان بن عفان بالصبر اثناء هجوم الدار
يزعم الناصبة بأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أوصى عثمان بالصبر وترك القتال حتى وإن كان لديه جيش, وهذه الوصية يقبلونها الناصبة بكل صدر رحب ويمدحون عثمان لانه تمسك بالوصية ولم يدافع عن عرضه كما رأينا بقول ابن تيمية !
٢٤٢٥٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي "، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: " تَنَحَّيْ ". فَجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: " لَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ (٢)
(٢) حديث صحيح. أبو سهلة وهو مولى عثمان بن عفان، ورقة العجلي، والحافظ في "التقريب" وذكره ابن حبان في "الثقات"، وصحح حديثه الترمذي والحاكم وابن حبان وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
ضرب زوجات عثمان بن عفــــــــان
زوجات عثمان يتولَّين الدفاع عنه وهو يكتفي بالمشاهدة
٧٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قثنا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ قَالَ: سَمِعَ عُثْمَانُ أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: حَصَرُوهُ فِي الْقَصْرِ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْتُ رُومَةَ مِنْ مَالِي لِيُسْتَعْذَبَ مِنْهَا فَجَعَلْتُ رِشَائِي فِيهَا كَرِشَاءِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: فَعَلَامَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أُفْطِرَ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالَ: وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَتَلَقَّاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا، فَلَا أَدْرِي أَبَانَهَا أَوْ قَطَعَهَا فَلَمْ يُبِنْهَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَوَّلُ كَفٍّ قَدْ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ، وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ التَّجُوبِيُّ فَأَشْعَرَهُ مِشْقَصًا فَانْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧] ، فَإِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ مَا حُكَّتْ، وَأَخَذَتِ ابْنَةُ الْفُرَافِصَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حُلِيَّهَا فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَلَمَّا أُشْعِرَ وَقُتِلَ تَفَاجَّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَاتَلَهَا اللَّهُ، مَا أَعْظَمَ عَجِيزَتَهَا، قَالَتْ: فَعَرَفْتُ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ لَمْ يُرِيدُوا إِلَّا الدُّنْيَا.
ص473 - كتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل - فضائل عثمان بن عفان - المكتبة الشاملة
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْغَافِقِيَّ بْنَ حَرْبٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي يَدِهِ، وَرَفَسَ الْمُصْحَفَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ بِرِجْلِهِ، فَاسْتَدَارَ الْمُصْحَفُ ثُمَّ اسْتَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَالَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ سُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ بِالسَّيْفِ فَمَانَعَتْهُ نَائِلَةُ، فَقَطَعَ أَصَابِعَهَا، فَوَلَّتْ فَضَرَبَ عَجِيزَتَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لِكَبِيرَةُ الْعَجِيزَةِ. وَضَرَبَ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ غُلَامُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ
ص315 - كتاب البداية والنهاية ت التركي - صفة قتله - المكتبة الشاملة
الختام
فيا للّعجب من الناصبة! فكل حججهم الباطله في إنكار واقعة هجوم دار أهل بيت النبي وتلفيق أحداث مكذوبة لم تقع في أحداث هجوم الدار أهل بيت النبي كإدعاهم كذبا بأن النبي أمر الإمام بعدم الدفاع عن إبنته وغيرها من الأكاذيب هي نفسها يقبلونها في واقعة هجوم دار عثمان.
وفعلهم هذا بوضع حجج لإنكار الحادثة لا يأخذنا إلا إلى استنتاج واحد: أنهم ينكرون الحادثة فقط لأن الصنمين، أبو بكر وعمر وبقية أعضاء السقيفة المقدسين عندهم، شاركوا في هذه الجريمة النكراء. أما إذا لم يكن لهم يد في الموضوع، لأقرّوا بها، كما أقرّوا بأحداث هجوم دار عثمان.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…







