ابن عباس يفضح يزيد بقتله للإمام الحسين عليه السلام

ابن عباس يفضح يزيد بقتله للإمام الحسين

وَقَالَ شَفِيقُ بْنُ سَلَمَةَ:

لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ثَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَامْتَنَعَ وَظَنَّ يَزِيدُ أَنَّ امْتِنَاعَهُ تَمَسُّكٌ مِنْهُ بِبَيْعَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْمُلْحِدَ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَعَاكَ إِلَى بَيْعَتِهِ وَأَنَّكَ اعْتَصَمْتَ بِبَيْعَتِنَا وَفَاءً مِنْكَ لَنَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ خَيْرَ مَا يَجْزِي الْوَاصِلِينَ لِأَرْحَامِهِمُ الْمُوفِينَ بِعُهُودِهِمْ، فَمَا أَنْسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَسْتُ بِنَاسٍ بِرَّكَ وَتَعْجِيلَ صِلَتِكَ بِالَّذِي أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ، فَانْظُرْ مَنْ طَلَعَ عَلَيْكَ مِنَ الْآفَاقِ مِمَّنْ سَحَرَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِلِسَانِهِ فَأَعْلِمْهُمْ بِحَالِهِ فَإِنَّهُمْ مِنْكَ أَسْمَعُ النَّاسِ وَلَكَ أَطْوَعُ مِنْهُمْ لِلْمُحِلِّ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ، فَأَمَّا تَرْكِي بَيْعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَوَاللَّهِ مَا أَرْجُو بِذَلِكَ بِرَّكَ وَلَا حَمْدَكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بِالَّذِي أَنْوِي عَلِيمٌ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَاسٍ بِرِّي، فَاحْبِسْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بِرَّكَ عَنِّي فَإِنِّي حَابِسٌ عَنْكَ بِرِّي، وَسَأَلْتَ أَنْ أُحَبِّبَ النَّاسَ إِلَيْكَ وَأُبَغِّضَهُمْ وَأُخَذِّلَهُمْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَا وَلَا سُرُورَ وَلَا كَرَامَةَ، كَيْفَ وَقَدْ قَتَلْتَ حُسَيْنًا وَفِتْيَانَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَصَابِيحَ الْهُدَى وَنُجُومَ الْأَعْلَامِ غَادَرَتْهُمْ خُيُولُكَ بِأَمْرِكَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ مُرَمَّلِينَ بِالدِّمَاءِ، مَسْلُوبِينَ بِالْعَرَاءِ، (مَقْتُولِينَ بِالظِّمَاءِ، لَا مُكَفَّنِينَ وَلَا مُوَسَّدِينَ) ، تَسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيَاحُ، وَيَنْشَى بِهِمْ عَرْجُ الْبِطَاحِ، حَتَّى أَتَاحَ اللَّهُ بِقَوْمٍ لَمْ يُشْرَكُوا فِي دِمَائِهِمْ كَفَّنُوهُمْ وَأَجَنُّوهُمْ، وَبِي وَبِهِمْ لَوْ عَزَزْتَ وَجَلَسْتَ مَجْلِسَكَ الَّذِي جَلَسْتَ،
فَمَا أَنَسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَسْتُ بِنَاسٍ اطِّرَادَكَ حُسَيْنًا مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَرَمِ اللَّهِ، وَتَسْيِيرَكَ الْخُيُولَ إِلَيْهِ، فَمَا زِلْتَ بِذَلِكَ حَتَّى أَشْخَصْتَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، فَنَزَلَتْ بِهِ خَيْلُكَ عَدَاوَةً مِنْكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، فَطَلَبَ إِلَيْكُمُ الْمُوَادَعَةَ وَسَأَلَكُمُ الرَّجْعَةَ، فَاغْتَنَمْتُمْ قِلَّةَ أَنْصَارِهِ وَاسْتِئْصَالَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَتَعَاوَنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَنَّكُمْ قَتَلْتُمْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، فَلَا شَيْءَ أَعْجَبُ عِنْدِي مِنْ طِلَبْتِكَ وُدِّي وَقَدْ قَتَلْتَ وَلَدَ أَبِي وَسَيْفُكَ يَقْطُرُ مِنْ دَمِيَ وَأَنْتَ أَحَدُ ثَأْرِي وَلَا يُعْجِبُكَ أَنْ ظَفِرْتَ بِنَا الْيَوْمَ فَلَنَظْفَرَنَّ بِكَ يَوْمًا، وَالسَّلَامُ.

"شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة، من رجال الكتب الستة. قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب 1/421 رقم 2836، وانظر: تحرير تقريب التهذيب 2/119 رقم 2816."

كتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير ص224و225 -ج3